يُعد محمد مير موسوي أحدث ضحايا النظام الإيراني؛ حيث لقي حتفه جراء التعذيب على يد عناصر الاستجواب والتحقيق الإيرانية، بعد تلقيه ضربات قاسية، بعدما أظهر مقطع فيديو آثار التعذيب على جسده.
ومن خلال استعراض ما يحدث في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة والمؤسسات الأمنية والقضائية في إيران، يمكن القول إن هذا الشاب من مدينة لاهيجان، التابعة لمحافظة جيلان، شمال غربي إيران، لن يكون الضحية الأخيرة للتعذيب في إيران.
وأثار مقتل الشاب محمد مير موسوي في مركز احتجاز الشرطة في محافظة جيلان ردود فعل كثيرة.
واعتبر العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مقتل هذا الشاب، البالغ من العمر 36 عاماً نتيجة التعذيب الشديد، بمثابة تذكير بمقتل مواطنين معتقلين آخرين في إيران.
وأشار حسين علائي، القائد السابق للبحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، إلى مقتل مير موسوي في مركز الشرطة في لاهيجان، قائلاً: "هذا السؤال يطرح في أذهان البعض: لماذا تقع مثل هذه الحوادث من وقت لآخر؟".
وشدد علائي على ضرورة أن يتدرب عناصر الشرطة الإيرانية على كيفية التعامل الصحيح مع المواطنين.
ونشر الناشط النقابي محمد حبيبي، تغريدة عبر حسابه في "إكس"، وكتب: "هناك الكثير من الشباب الذين يُعذبون في سجون النظام، لكن لا تُسمع أصواتهم".
وذكر أنه خلال فترة وجوده في سجن طهران، رأى العديد من سجناء القضايا الجنائية، الذين عادوا إلى السجن بأذرع وأرجل مكسورة وأجساد مكلومة، بعد أخذها إلى مراكز التحقيق والاستجواب.
فيما قال المحامي الحقوقي، علي مجتهد زاده، إن ما حدث في "لاهيجان" هو "جريمة مكتملة الأركان".
وتابع: "إن مرتكبي وآمري هذه الجرائم مهما كانوا في لباس أو منصب، هم مجرمون يستحقون العقاب".
قتل المواطنين المحتجين والسجناء السياسيين
وكان عدد كبير من المتهمين السياسيين، والمتظاهرين المعتقلين، ومعارضي الحجاب الإجباري، والصحافيين وقطاعات أخرى من المجتمع، ضحايا للتعذيب في مراكز الاعتقال في الجمهورية الإسلامية وفقدوا حياتهم، خلال العقود الأربعة الماضية.
وهؤلاء الضحايا لم تجدِ متابعة أقاربهم في كثير من الحالات، ولم تؤدِ التحقيقات إلى تحديد الجناة ومحاسبتهم، كما أن النظام لم يتحمل أي مسؤولية عن وفاة هؤلاء الأشخاص بسبب التعذيب.
وفجر حادث مقتل الشابة الإيرانية، مهسا أميني، في سبتمبر (أيلول) من عام 2022 موجة عارمة من الاحتجاجات، اُعتقل على إثرها عشرات المواطنين، الذين تعرضوا لشتى أنواع التعذيب في معتقلات النظام.
ووصفت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، في تقريرها الدوري، الذي نشرته في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، عمليات القتل غير القانوني والتعذيب والاعتداء الجنسي والمضايقات، التي تعرضت لها الأقليات العرقية والدينية في إيران، خلال احتجاجات السنوات الخمس الماضية، ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، بأنها انتهاكات جسمية لحقوق الإنسان.
وقُتل الناشط البيئي، كاووس سيد إمامي، في عام 2018، أثناء احتجازه بسجن "إيفين".
يُذكر أن سيد إمامي كان أستاذًا في جامعة الإمام الصادق، وأحد الناشطين البيئيين، وقد تم اعتقاله في بداية عام 2018، مع عدد من الناشطين البيئيين، وفيما أعلنت السلطات القضائية الإيرانية أنه انتحر في سجن إيفين بطهران، نفت أسرته ذلك.
كما قُتل سينا قنبري وسارو قهرماني ووحيد حيدري وكيانوش زندي في سجون النظام تحت التعذيب بعد أن اُعتقلوا، عقب احتجاجات عام 2017.
كما لقي المدون والناشط المدني، ستار بهشتي، مصرعه في أحد السجون الإيرانية عام 2012.
واُعتقلت الصحافية والمصورة الإيرانية الكندية، زهراء كاظمي، وتعرضت للتعذيب والقتل في طهران عام 2003؛ بسبب أخذها صوراً لأفراد عائلات الطلاب المحتجزين أمام سجن إيفين.
كما قُتل في مظاهرات "الحركة الخضراء" عام 2009، مجموعة من المواطنين تحت التعذيب، ومنهم: محسن روح الأميني ومحمد كامراني وأمير جوادي فر.
وهناك زهرة بني يعقوب، وجواد روحي، وإبراهيم ريغي، وسبهر شيراني، وإبراهيم لطف اللهي، وسعيد إمامي، ومحمود رخشاني، الذين لقوا حتفهم في مراكز الاعتقال والسجون في إيران، خلال السنوات الأخيرة.
وأعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في مايو (أيار) من هذا العام، أن قوات الأمن في إيران اغتصبت وعذّبت واعتدت جنسيًا على من اعتقلوا، خلال انتفاضة مهسا أميني في عامي 2022 و2023.
وناقشت منظمة العفو الدولية، في ديسمبر (كانون الأول) 2023، عبر تقرير مؤلف من 120 صفحة، اغتصاب النساء والرجال والأطفال من قِبل الحرس الثوري الإيراني والباسيج ووزارة الاستخبارات وأقسام الشرطة المختلفة خلال الاحتجاجات الشعبية، ونشرت قصصًا من بعض الضحايا.
مقتل المتهمين بقضايا جنائية في المعتقلات
تُوفي عدد كبير من المتهمين المعتقلين بجرائم عامة تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز في مدن مختلفة من إيران، خلال العقود الأربعة الماضية.
ومن هؤلاء إيمان حسنوند ومهرداد طالشي وميلاد جعفري في فرع استخبارات شابور في طهران، ومحمد جرجيج في مركز احتجاز زاهدان، وسعيد (اللقب غير معروف) في مركز احتجاز الوزراء بطهران، وجواد خسرفانيان في مركز احتجاز شرطة استخبارات مدينة خرمبيد، وهم مواطنون آخرون لقوا حتفهم تحت التعذيب خلال السنوات الأخيرة.
ظروف المعتقلات في إيران
يعتبر نشطاء حقوق الإنسان في إيران مراكز الاحتجاز الاستخباراتية في البلاد، بما في ذلك مركز شابور للاحتجاز الاستخباري في طهران ومراكز الاحتجاز الاستخبارية في شيراز وياسوج وبوشهر وبندر عباس وزاهدان، من أكثر أماكن الاحتجاز فتكًا بالمتهمين بارتكاب جرائم عامة.
ويتمتع عدد من مراكز الاحتجاز الاستخباراتية الأخرى الموجودة في مراكز المحافظات في إيران بظروف مماثلة.
إلا أن مركز احتجاز شابور، جنوبي طهران، يعد من أكثر مراكز الاحتجاز رعبًا في إيران، والذي يسميه البعض "الثقب الأسود للسجناء".
وفي هذه المعتقلات، حيث يتم نقل المتهمين بجرائم مختلفة، يضع المحققون في أذهانهم حقيقة أن المتهمين مذنبون حتى يثبت العكس، وبأساليب التعذيب المختلفة يحاولون الحصول على أي اعتراف يحتاجونه من المتهم لاستكمال القضية.
وبعد دخول مراكز الاحتجاز هذه، يظل المتهمون مكبلي الأيدي ومقيدين في جميع مراحل الاعتقال والاستجواب، وفي ظروف غير صحية.
وبعد بدء الاستجواب الأول، يكون لدى هؤلاء الأشخاص بضع دقائق لقبول الاتهامات المكتوبة لهم في ملفات ملونة وعلى أوراق بيضاء مملوءة مسبقًا، ويجب عليهم التوقيع وترك بصمة عليها.
وإذا لم يقبلوا الاتهامات وأنكروها، فسرعان ما يتعرضون للضرب على يد شخصين أو ثلاثة باللكمات والركلات.
وبعد ذلك، وفي حالة الاستمرار في إنكار ورفض الاتهامات، يتم استخدام أساليب تعذيب مختلفة، منها "الأرق الطويل مع الضرب"، و"الضرب بالكابلات والهراوات"، و"ربط الأيدي والأرجل وتعليق الشخص" و"التعليق باليد أو القدم" و"كسر اليد أو القدم" و"حرق أجزاء مختلفة من الجسم بالسجائر" وغيرها من الأساليب.
وفي مثل هذه الظروف، وبعد مرور بعض الوقت ومع تدهور حالتهم البدنية، يضطر العديد من المتهمين إلى الاعتراف أو قبول جزء من التهم المنسوبة إليهم.
وظهر عدد من المتهمين في جلسات المحكمة، خلال السنوات الماضية، بعد أن أدلوا باعترافات تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للمخابرات، وأنكروا جميع التهم الموجهة إليهم، وأكدوا تعرضهم للتعذيب أثناء التحقيق.
في غضون ذلك، ظل بعض المعتقلين مسجونين لسنوات بناءً على هذه الاعترافات، وفي بعض الحالات تم شنقهم.
ويعاني بعضهم إصابات خطيرة في أجزاء مختلفة من أجسادهم، ويتحملون الآلام والمعاناة طوال أيام التحقيق، حتى نهاية حياتهم.
وفي مثل هذه الظروف، تقوم المؤسسات الأمنية، مثل وزارة الاستخبارات ومنظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني، في بعض الحالات، بنقل السجناء السياسيين، الذين لم يعترفوا في الزنازين الأمنية، إلى مراكز الاحتجاز التابعة لجهاز الشرطة.
ويعتقد هؤلاء أن المتهمين الذين سيتم نقلهم إلى مراكز الاحتجاز، فإنهم سيقبلون أخيرًا كلاً أو جزءًا من السيناريو، الذي كتبوه لهم تحت تأثير التعذيب، وسيعترفون أيضًا بما لم يفعلوه.
ويستمر تعذيب المواطنين في إيران، بينما تنص المادة 38 من الدستور الإيراني، على "حظر أي نوع من التعذيب، لانتزاع اعترافات أو الحصول على معلومات".