تواجه إيران الآن مرحلة حساسة في سياستها النووية، مع إعلانها الاستعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الدول الأوروبية. يأتي هذا التطور في أعقاب قرار قدمته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يدين البرنامج النووي الإيراني.
التساؤل الرئيسي: هل المفاوضات أداة لإضاعة الوقت أم نية جادة؟
يبقى السؤال الأساسي: هل تعتزم إيران فعلاً التفاوض بحسن نية أم أنها تلجأ للمفاوضات كتكتيك للمماطلة، لشراء الوقت والتقدم سرًا نحو تطوير قنبلة نووية؟ هذا التساؤل ليس جديدًا، حيث يتكرر مع كل خطوة تفاوضية تتخذها إيران.
الدول الأوروبية تدرك جيدًا أن طهران لديها سجل طويل من السياسات المزدوجة؛ اللجوء إلى المفاوضات ظاهريًا، وفي الوقت نفسه تسريع خطواتها في تطوير برنامجها النووي.
هذه السياسة، التي تتبعها القيادة الإيرانية برئاسة المرشد علي خامنئي، أصبحت معروفة للمجتمع الدولي.
النمط المتكرر في السياسة النووية الإيرانية
كلما واجهت إيران ضغوطًا دولية، تلجأ إلى تعليق المفاوضات، وترفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتُسرّع جهودها السرية لتطوير القدرات النووية. ثم تحت وطأة العقوبات أو التهديدات العسكرية، تدخل في جولة مفاوضات جديدة لتخفيف الضغوط واستعادة الزخم.
لكن هذا النهج الذي اعتمدته إيران في السابق يبدو غير فعّال في المرحلة الحالية، خصوصًا مع إدارة دونالد ترامب التي عادت بقوة إلى الساحة الدولية، والتوتر المتزايد مع أوروبا الغاضبة من الأنشطة الإيرانية في مجالات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.
الضغوط الثلاثية: إسرائيل، أوروبا، أميركا
مع عودة ترامب إلى السلطة، تنظر إسرائيل إلى هذا التوقيت على أنه فرصة ذهبية لتوجيه ضربة قاصمة للبرنامج النووي الإيراني. ترامب أيضًا عبّر صراحة عن عزمه منع طهران من امتلاك سلاح نووي بأي ثمن.
في الوقت نفسه، تبنت أوروبا موقفًا أكثر صرامة مقارنةً بالماضي، فهي لم تعد قلقة فقط من احتمال تطوير إيران لسلاح نووي، بل أيضًا من تهديداتها المتزايدة باستخدام الصواريخ بعيدة المدى وأنشطتها الإقليمية التي تهدد الأمن الأوروبي.
المناورة الإيرانية أصبحت محدودة
الظروف الحالية تشير إلى أن قدرة إيران على استخدام المفاوضات كأداة للمماطلة قد تقلصت. إدارة ترامب تطالب باتفاق أشد صرامة من الاتفاق النووي لعام 2015، بينما تضغط أوروبا لتوسيع المفاوضات لتشمل برنامج الصواريخ الباليستية.
خياران أمام خامنئي
المرشد الإيراني يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما:
1. القبول باتفاقية تفرض قيودًا صارمة على برنامجه النووي والصاروخي، وهو ما سيبدو وكأنه استسلام.
2. المجازفة بمواجهة تصعيد دولي شامل مع الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل.
الرهان الإيراني السابق على إحداث انقسام بين أميركا وأوروبا يبدو غير واقعي الآن، حيث باتت المواقف الأوروبية والأميركية متقاربة بشكل كبير بسبب تعاون أوروبا مع الولايات المتحدة في قضايا أمنية عالمية، أبرزها الحرب في أوكرانيا.
الإخفاقات الدبلوماسية الإيرانية الأخيرة
شهدت السياسة الخارجية الإيرانية سلسلة من الانتكاسات خلال الأشهر الأخيرة، أبرزها:
1. فشل التحركات الإقليمية: لم تنجح إيران في منع إسرائيل من تنفيذ هجمات عسكرية عبر أراضي دول الجوار مثل سوريا والعراق.
2. هزيمة دبلوماسية في الوكالة الذرية: صدر قرار يدين الأنشطة الإيرانية في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأغلبية واضحة، مما عكس ضعف الدعم الدولي لطهران.
3. انحسار الدعم لحلفاء إيران: فشلت طهران في تقديم الدعم الكافي لحلفائها مثل حماس وحزب الله، الذين يواجهون هجمات إسرائيلية مكثفة.
4. إخفاق الرهان على نتائج الانتخابات الأميركية: كان النظام الإيراني يأمل بفوز كمالا هاريس أو مرشح ديمقراطي معتدل، لكن مع عودة ترامب، اشتدت سياسة الضغط الأقصى.
ماذا بعد؟
القيادة الإيرانية تواجه وضعًا داخليًا وخارجيًا في غاية التعقيد:
1. ضغط اقتصادي خانق: تشهد إيران أزمة مالية عميقة بسبب العقوبات الدولية وارتفاع الإنفاق العسكري.
2. أزمات داخلية متصاعدة: نقص الطاقة، تكرار انقطاع الكهرباء، وتزايد الاحتجاجات الشعبية يضع الحكومة في موقف دفاعي.
3. عزلة دبلوماسية غير مسبوقة: تفاقم التوتر مع أوروبا وأميركا، وتصاعد الهجمات الإسرائيلية، يضع السياسة الخارجية الإيرانية في مأزق.
هل يمكن لإيران مواصلة استراتيجيتها القديمة؟
يبدو أن الاستراتيجية الإيرانية التقليدية، التي تعتمد على التفاوض العلني والتطوير السري للبرنامج النووي، أصبحت مكشوفة وغير قابلة للتطبيق في ظل الظروف الراهنة.
وعلى خامنئي أن يقرر؛ إما التنازل بشكل كبير لتجنب التصعيد أو الاستمرار في طريق محفوف بالمخاطر قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية أو انهيار داخلي شامل.