استعان المرشد الإيراني، علي خامنئي، بآيات قرآنية من سورة الأحزاب؛ لإطلاق مصطلح جديد يهدف إلى إسكات المنتقدين، وإخماد أصوات المعارضين، مروجًا لمفهوم "المرجفون"؛ حيث وصف خامنئي أولئك الذين ينشرون الأخبار والتحليلات، التي تتعارض مع رواية النظام بأنهم "مرجفون".
وإلى جانب تهديده المباشر بقمع واعتقال المنتقدين، وجه خامنئي سهام هجومه مجددًا نحو الفضاء الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي، وهاجم بشدة الأصوات التي تنتقد سياسات النظام الإيراني العدوانية، مانحًا القضاء والأجهزة الأمنية تعليمات واضحة للتصدي للمعارضين بحجة "حماية الأمن النفسي للمجتمع" وإسكات أصواتهم.
وبعد مرور 24 ساعة فقط على خطابه التهديدي، أعلن رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجه إي، أن المعارضين سيتم اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة.
وهذه التهديدات ليست بالجديدة؛ فقد دأب النظام الإيراني منذ نشأته على قمع منتقديه، ولم يتردد في استخدام القمع والاعتقال والتهديد لكتم أصوات المعارضة.
وفي وقت تتزايد فيه الضغوط على إيران، عقب الهجمات الإسرائيلية، يختار النظام تفريغ غضبه وإحباطاته، من خلال قمع الشعب والمعارضين في الداخل، بدلاًا عن تقديم إجابات عن تساؤلاتهم.
إن هذا الأسلوب في القمع والتهديد ليس جديدًا؛ فقد اتبعه خامنئي وقادة الحرس الثوري في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي لقمع أصوات المعارضة. فعلى سبيل المثال، في عام 1998، هدد قائد الحرس الثوري آنذاك، رحيم صفوي، بقطع رقاب البعض وألسنة البعض الآخر، قائلاً: "لساننا هو سيفنا".
وقد أسفرت تلك التهديدات عن جرائم القتل المتسلسل، التي نفذتها عصابة المسؤول السابق في الاستخبارات الإيرانية، سعيد إمامي، ووزارة الاستخبارات، والتي كان ضحاياها شخصيات مثل: داريوش فروهر، وبروانه إسكندري، ومحمد جعفر بوينده، ومحمد مختاري.
وفي عام 2000، حين كانت الصحف المطبوعة هي المصدر الرئيس للأخبار، وصف خامنئي في خطاب له الصحف المعارضة بـ "معاقل العدو" وأمر بإغلاقها. وبأقل من 24 ساعة، أصدر القاضي سعيد مرتضوي، المعروف بـ "جزّار الصحافة"، أوامر بتعليق 16 صحيفة فيما عُرف حينها بـ "حملة توقيف الصحف الجماعية".
واليوم، يتكرر هذا النهج بعد 24 عامًا، لكن هذه المرة استُبدلت الصحافة بوسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث أصبح الناشطون عبر الإنترنت هم المستهدفون بدلاً من الصحافيين.
وبعد أن كان خامنئي يصدر أوامر بتعليق الصحف، يسعى الآن إلى فرض المزيد من القيود على شبكات التواصل الاجتماعي ومواجهة الناشطين في الفضاء الافتراضي. غير أن إغلاق الفضاء الافتراضي ليس بالسهولة ذاتها، التي رافقت إغلاق الصحف.
وكما قال خامنئي نفسه: "إن إله الجمهورية الإسلامية هو نفس إله عقد الثمانينيات"، إلا أن الشعب والعالم اليوم لا يسمحان للنظام باتباع نفس أساليب ذلك العقد.
لقد أثبتت سياسات إسكات الأصوات المعارضة سابقًا فشلها، بل جاءت بنتائج عكسية؛ إذ تحول المنتقدون إلى معارضين، وتعمق العداء لدى المعارضين.
واليوم، ظهر جيل جديد من المنتقدين، أكثر شجاعة وجرأة من ذي قبل، ينشطون في الفضاء الافتراضي دون اعتبار لأي خطوط حمراء للمرشد أو النظام.
نتائج سياسات النظام القمعية خلال العقود الماضية
اضطرت مجموعة من أفضل الصحافيين الإيرانيين وأكثرهم خبرة، والناشطين المدنيين إلى الهجرة، ونُقلت مرجعية الإعلام من الداخل إلى الخارج. وفقدت وسائل الإعلام الحكومية مصداقيتها، واكتسبت وسائل الإعلام الخارجية المزيد من الشرعية والانتشار.
وهكذا هو حال الأنظمة الديكتاتورية، حيث الكثير من الصحافيين يعملون من خارج حدود أوطانهم، بعد تعرضهم للاضطهاد في بلدانهم.
ويجب أن يدرك خامنئي ومسؤولو النظام الإيراني أن هذه الأساليب القمعية، التي فشلت في الماضي، لن تحقق نجاحًا في المستقبل. ورغم التهديدات والحجب، ستستمر الانتقادات؛ سواء كانت في الصحف بالأمس أو في الفضاء الافتراضي اليوم.
والآن، تجاوز الناس مطالبهم الإصلاحية، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن "النظام بأكمله يجب أن يرحل". هذه هي النتيجة الطبيعية لقمع وتكميم أفواه المعارضين.