بعد تقرير البنك المركزي الإيراني، الذي كشف عن تقديم البنوك الحكومية قروضًا كبيرة لموظفيها وشركاتها التابعة، ظهرت تقارير جديدة تفيد بدخول هذه المؤسسات المالية، التي تتكبد خسائر، في السوق المحلية للعملات الأجنبية.
وكانت الحكومة الإيرانية منذ فترة طويلة المزود الرئيس للعملات الأجنبية والمتحكمة في الواردات بالاقتصاد الخاضع بشدة لسيطرة الدولة.
ومنذ عام 2012، عندما بدأت العقوبات الدولية في خفض قيمة الريال الإيراني بشكل حاد، كافحت الحكومة للحفاظ على توازن أسعار الواردات الأساسية، ولإدارة هذه المشكلة، أدخلت الحكومة نظامًا لأسعار صرف متعددة؛ مما أدى إلى انتشار واسع للفساد؛ حيث استغل المتنفذون الامتيازات الحكومية، مثل تراخيص التصدير والاستيراد، لتحقيق أرباح من الفروقات بين الأسعار الرسمية وأسعار السوق.
ويعد سعر الصرف الرسمي أقل بكثير من سعر السوق الحرة للعملات الأجنبية؛ إذ سعت الحكومة من خلال ذلك إلى السيطرة على ارتفاع الأسعار من خلال دعم الواردات الأساسية، مثل السلع الأساسية، وعلف الحيوانات، والأدوية، وذلك عن طريق توفير العملات الأجنبية للمستوردين بأسعار أرخص؛ بهدف جعل هذه السلع في متناول الجميع ومنع حدوث سخط جماهيري واسع.
وعلى سبيل المثال، يتم استيراد جزء من واردات إيران، مثل الأدوية، بسعر مدعوم حكوميًا يبلغ 28,500 تومان لكل دولار أميركي، بينما يتم استيراد سلع أخرى، مثل الغذاء، عبر نظام "نيما" (منظومة مالية دشنها البنك المركزي الإيراني لتوفير العملة الصعبة للمستوردين ومكاتب الصرافة)، بسعر 46,800 تومان لكل دولار. وفي الوقت نفسه، يتم استيراد سلع مثل الأجهزة المنزلية أو الهواتف المحمولة بسعر السوق الحرة، الذي ارتفع إلى أكثر من 63,300 تومان لكل دولار.
كما يُلزم المصدرون الإيرانيون إما بتبادل أرباحهم من العملات الأجنبية عبر نظام "نيما"، أو التفاوض مع المستوردين؛ لتزويدهم بالعملة المطلوبة.
وكشفت تقارير حديثة من وسائل الإعلام الإيرانية أن البنوك الإيرانية لا تكتفي فقط بتصدير السلع بشكل مباشر، بل تقوم أيضًا ببيع العملات الأجنبية المكتسبة من هذه الصادرات إلى المستوردين بسعر أعلى بنسبة 10 بالمائة من سعر نظام "نيما". وهذا يسمح للبنوك بتحقيق أرباح من كل من التصدير وبيع العملات الأجنبية الناتجة بسعر يفوق السعر الرسمي لنظام "نيما".
لماذا تصمت الحكومة؟
وفرضت الحكومة الإيرانية على البنوك تقديم قروض للجمهور والشركات بمعدلات فائدة تتراوح بين 20 و23 بالمائة، بينما بلغ متوسط معدل التضخم، خلال السنوات القليلة الماضية، أكثر من 40 بالمائة، وفقد الريال الإيراني نحو 90 بالمائة من قيمته منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران في عام 2018.
وعلاوة على ذلك، بين منتصف عام 2018 ومنتصف 2024، ارتفع الدين الحكومي للنظام المصرفي في البلاد بنسبة 430 بالمائة، ليصل إلى 15.6 كوادريليون ريال، وهو مبلغ يعادل 23 مليار دولار بسعر صرف السوق الحرة، و55 مليار دولار بالسعر الرسمي للحكومة.
والنقطة الأساسية هنا هي أن ديون الحكومة للنظام المصرفي مُقوّمة بالريال الإيراني؛ مما يعني أنه مع الانخفاض السنوي في قيمة الريال، تتحمل البنوك خسائر مالية ضخمة.
وللمقارنة، فقد ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الحرة من 65,000 ريال في منتصف 2018 إلى 630,000 ريال الآن. ونتيجة لذلك، انخفضت القيمة الحقيقية لجزء كبير من القروض، التي قدمها النظام المصرفي الإيراني للحكومة والقطاع الخاص بمعدلات فائدة تتراوح بين 20 و23 بالمائة.
ونتيجة لذلك، تعاني الآن سبعة من أكبر البنوك الإيرانية خسائر متراكمة تصل إلى 4.6 كوادريليون ريال (نحو 7.3 مليار دولار بسعر صرف السوق الحرة). ومع قدرة الحكومة المحدودة على تغطية هذه الخسائر المتزايدة، تواجه البنوك خطر الإفلاس أو تُدفع إلى ممارسة أنشطة محظورة عادةً على المؤسسات المالية، مثل إدارة العقارات، وتجارة الممتلكات، والمشاركة في التجارة الداخلية والخارجية.
فعلى سبيل المثال، تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن قيمة ممتلكات البنوك العقارية قد وصلت الآن إلى 2 كوادريليون ريال، وبفضل ارتفاع أسعار العقارات المقومة بالريال بنسبة 1100 بالمائة منذ منتصف 2018، تمكنت البنوك من تعويض جزء من خسائرها.
وتستخدم البنوك هذه الممارسات غير السليمة كوسيلة أخرى لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض قيمة الريال، ومعدلات الفائدة المنخفضة بشكل كبير مقارنة بمعدل التضخم.
وقد أعلن البنك المركزي الإيراني، مؤخرًا، أنه في السنة المالية الأخيرة، التي بدأت في 20 مارس (آذار)، قدمت البنوك في البلاد 1.2 كوادريليون ريال كقروض لموظفيها أو لشركاتها التابعة، والتي يستفيد منها أيضًا مديروها؛ حيث تستخدم الشركات التابعة هذه القروض الرخيصة لسد خسائرها المالية.