تشابهت تصريحات الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى حد كبير، مع البيانات المعتادة لنظام طهران والتي طالما تكررت على ألسنة رؤساء إيران السابقين مع تغييرات بسيطة، ولم يسمع العالم أي جديد في خطابه ولم تكن هناك توقعات بذلك أساسًا.
وكانت تصريحات بزشكيان مشابهة للخطابات السابقة للمسؤولين الإيرانيين في الأمم المتحدة، مع تغييرات طفيفة للغاية، فهي أقرب إلى مزيج من العبارات الدبلوماسية، التي أُعطيت له لقراءتها من قِبَل مساعده للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، ووزير خارجيته الحالي، عباس عراقجي.
وبينما كان انتباه العالم منصبًا بشكل أكبر على أنشطة الحرس الثوري الإيراني و"خامنئي" في لبنان وغزة، وليس على لغة بزشكيان، يبدو أن محتوى هذه التصريحات لم يكن سوى "سلطة كلمات" بلا مضمون حقيقي.
وتعرض بزشكيان لانتقادات شديدة من معارضيه في طهران، بعد مؤتمر صحفي عقده بنيويورك، ويبدو أن تلك التصريحات أثارت غضب التيار المتشدد في إيران؛ حيث تمحورت تلك الانتقادات حول موضوعين رئيسين:
أولاً: يُعتقد أن بزشكيان قبل سفره إلى نيويورك، قد التقى خامنئي، وربما حصل على توجيهات حول القضايا، التي يجب التركيز عليها في الأمم المتحدة والمواقف التي يجب أن يبرزها.
ثانيًا: ركز البعض في إيران، خلال الأشهر الأخيرة، على الترويج لسلوك بزشكيان، المعروف في إيران بأسلوب "داش مشتي"، كطريقة كلامه ومشيته الخاصة.
هذا الترويج أسهم في تعزيز هذا الدور الذي يلعبه بزشكيان، وهو ما يبدو أنه استمتع به؛ حيث واصل ذلك الأسلوب حتى خلال رحلته إلى نيويورك.
وكانت هذه التصرفات مألوفة في الداخل الإيراني، لكن بزشكيان قام الآن بنقلها إلى نيويورك، هذا الأمر جعل منتقديه يرون أن تصرفاته لا تتناسب مع مكانته كرئيس دولة؛ حيث يعتري تصريحاته العديد من التناقضات.
النقطة الأكثر أهمية هي التناقض الواضح بين محتوى تصريحاته والسياسات الحقيقية للنظام الإيراني، التي تُملَى وتُنفذ مباشرة من قِبل خامنئي والحرس الثوري.
واعتبر الكثيرون تصريحات بزشكيان الأخيرة، ومنها: "نحن لا نسعى إلى الحرب"، مجرد ادعاءات كاذبة؛ إذ تعتمد السياسة الخارجية للنظام الإيراني بشكل كبير على التدخلات العسكرية والمغامرات الإقليمية عبر وكلائها؛ فحركة حماس، التي تعتبر من وكلاء إيران، هي من بدأت الحرب الأخيرة بمهاجمة إسرائيل، وحظيت بدعم من الحرس الثوري الإيراني.
كما أن الادعاء الآخر الذي ردده بزشكيان، وهو أن "هناك من قد يتصرف بالنيابة عنا"، غير دقيق على الإطلاق؛ فالحرس الثوري ليس مؤسسة تتصرف بمفردها، بل تُنفذ سياسات النظام الإيراني، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، بتوجيهات مباشرة من خامنئي ودعمه.
وقد أكد خامنئي مرارًا أن عمليات الحرس الثوري الإيراني في المنطقة صحيحة، وأن وزارة خارجية طهران يجب أن تسير على نهج الحرس الثوري.
وأثارت هذه التناقضات تساؤلات حول خوف النظام الإيراني من الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل؛ حيث يتعرض حزب الله اللبناني، في الوقت الحالي، لهجمات عنيفة من إسرائيل، ولكن يبدو أن إيران تتجنب التدخل المباشر في هذه الحرب، هذا الأمر أدى إلى استياء وارتباك بين مؤيدي النظام الإيراني داخل البلاد وخارجها.
وينتاب مريدي النظام الغضب من أن حزب الله يتعرض لضغوط هائلة من إسرائيل، بينما تقف إيران موقف المتفرج دون أي تحرك.
وفي السياق نفسه، أشار موقع "أكسيوس" الإخباري الموثوق إلى رفض إيران طلب حزب الله للمساعدة.
ووفقًا لـ "أكسيوس"، فقد طالب حزب الله بشن هجوم مباشر من إيران على إسرائيل لتخفيف الضغوط الإسرائيلية، إلا أن طهران أوضحت أن الوقت غير مناسب لذلك، ما دام بزشكيان موجودًا في نيويورك.
والسؤالٌ المطروح حاليًا هو: هل ستقدم إيران دعمًا عمليًا لحزب الله بعد عودة مسعود بزشكيان من نيويورك، وتنتقم لمقتل قياديين بارزين، مثل إسماعيل هنية؟
فإذا تحقق ذلك، ستُعتبر تصريحات بزشكيان السلمية في الأمم المتحدة مجرد كلمات جوفاء، أما إذا امتنعت إيران عن التدخل العسكري، فإن هذا سيعزز الاعتقاد بأن نظام الجمهورية الإسلامية يخشى التصعيد.