دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في أول مؤتمر صحافي له، إلى الانضمام إلى اتفاقيات مجموعة العمل المالي الدولية "FATF"، مما أثار موجة انتقادات جديدة ضده من الأصوليين الموالين للنظام.
بزشكيان أكد أن الانضمام إلى مجموعة العمل المالي "FATF"، وإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وتحسين العلاقات الدولية، أمر ضروري لإزالة العوائق أمام الاستثمار والتجارة الخارجية.
يذكر أن مجموعة العمل المالي ، هي منظمة حكومية دولية مقرها في العاصمة الفرنسية باريس، أسست سنة 1989م، تعمل على سن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، كما تقوم بتقييم مدى التزام الدول بتلك المعايير، حيث تستهدف مجموعة العمل المالي حماية النزاهة المالية على الصعيد الدولي.
كما أشار الرئيس الإيراني إلى أن هذه الخطوات أساسية لتحقيق الأهداف التي تم تحديدها في خطة الرؤية الإيرانية لمدة 20 عامًا (2005-2025)، وتعهّد بتقديم طلب رسمي إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام لإعطاء الأولوية للنظر في مسألة الانضمام إلى (FATF).
وأضاف الرئيس الإيراني أنه دون الانضمام إلى عدة اتفاقيات مالية دولية تطلبها مجموعة العمل المالي، لا يمكن لإيران الحصول على وصول كامل إلى النظام المصرفي العالمي أو إقامة علاقات تجارية واستثمارية طبيعية مع الشركات الكبرى.
وفي عام 2018، وافق البرلمان الإيراني على تشريعين كانت تطلبهما "FATF" لإخراج إيران من قائمتها السوداء.
إلا أن مجلس صيانة الدستور رفض التشريعات، وأحيلت القضية إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي لم يتخذ أي إجراء حتى الآن.
يذكر إن إيران مدرجة على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي منذ فبراير (شباط) 2020.
ورد المتشددون والمتطرفون وأنصارهم في البرلمان ووسائل الإعلام بقوة على تصريحات بزشكيان.
الأسباب الحقيقية وراء رفض الانضمام إلى"FATF"
وذكر محلل سياسي في طهران لقناة "إيران إنترناشيونال" أن "الأفراد ذوي النفوذ الذين ستتضرر مصالحهم المالية من الشفافية هم الدافع الرئيس وراء المعارضة للانضمام إلى "FATF". كما يفضل هؤلاء الأفراد استمرار العقوبات لأنهم يحققون أرباحًا من التحايل على القيود التجارية والمصرفية".
وغالبًا ما تشير وسائل الإعلام والسياسيون الإيرانيون إلى الأفراد الذين يحققون أرباحًا طائلة من بيع النفط الإيراني في الأسواق السوداء العالمية بـ"مستغلي العقوبات".
وقد تم الكشف عن حجم هذه التعاملات في عام 2013 عندما تم اعتقال رجل الأعمال بابك زنجاني، بتهمة الاحتفاظ بما لا يقل عن 2.7 مليار دولار من عائدات مبيعات النفط المفروض عليها عقوبات، نيابة عن وزارة النفط.
وتدعي السلطات أن زنجاني، الذي تم تخفيف حكم الإعدام عليه إلى السجن لمدة عشرين عامًا في أبريل (نيسان) "بموافقة المرشد الأعلى"، قد أعاد الأموال المختلسة.
ووفقًا للمحلل السياسي: "كان خامنئي في البداية يعارض إصرار روحاني على ضرورة الانضمام إلى (FATF)، لكن دون موافقته، لم يكن للبرلمان أن يمرر التشريعين في 2018، على الرغم من المعارضة الشديدة من المتشددين".
وأشار إلى أن رئيس البرلمان آنذاك، علي لاريجاني، أخبر المشرعين صراحةً بعدم وجود اعتراض من مكتب المرشد على التشريعات المثيرة للجدل.
اتساع دائرة النخبة الفاسدة
وأضاف المحلل: "النخبة الحاكمة الفاسدة التي يمثلها زنجاني أصبحت الآن كثيرة. وأن ما كشفته "بلومبرغ" مؤخرًا عن دور حسين شمخاني (ابن الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني) كرئيس لبيع النفط المفروض عليه عقوبات في الأسواق العالمية، يعكس مدى تأثير هؤلاء الأفراد".
وفي خطاب أمام البرلمان في 17 سبتمبر (أيلول)، زعم محمود نبويان، وهو نائب متشدد من حزب "بايداري"، أن مجموعة العمل المالي تطلب من إيران "الإعلان" بأن "فيلق القدس، وقائده الراحل قاسم سليماني، وأهل غزة وحماس، واليمن وجميع قوى المقاومة، هم إرهابيون".
كما أصر نبويان، الذي يُعتبر حليفًا لسعيد جليلي الذي ترشح ضد بزشكيان في الانتخابات الأخيرة، على أن الانضمام إلى "FATF" يعني أن جميع معلومات إيران المالية والتجارية ستكون متاحة للولايات المتحدة والدول الأخرى.
وأضاف: "هذا يعني تحديد ومنع جميع مسارات التجارة للشعب الإيراني".
وفي مقابلة مع وكالة "مهر" للأنباء قال مصطفى ميرسليم، وهو سياسي متشدد وعضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، إن الانضمام إلى "FATF" سيكون أكثر ضررًا من عدم الانضمام إليها، إلا إذا قامت الولايات المتحدة برفع عقوباتها عن إيران و"إنهاء عدائها" مع الجمهورية الإسلامية.
وفي مناظرة انتخابية في يونيو (حزيران)، زعم مصطفى بورمحمدي، وهو مرشح محافظ، أن سعيد جليلي، الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي، كان القوة الرئيسة وراء رفض الانضمام إلى الاتفاقيات المالية منذ عام 2016.
أما سلف بزشكيان، إبراهيم رئيسي، الذي كان لجليلي تأثير كبير في حكومته من وراء الكواليس، فقد انتقد أيضًا إدارة روحاني، مدعيًا أن مشكلات التجارة كان من الأفضل حلها بالاعتماد على "الجيران والدول الصديقة"، بما في ذلك الصين وروسيا، والتخلي عن استخدام الدولار.
في حين يركز بزشكيان وحكومته على التجارة والعلاقات الجيدة مع "الجيران والأصدقاء"، ويبدو أنهم مصممون على الانضمام إلى "FATF".