إن المقاطعة المحتملة للانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، من قِبل مصطفى تاج زاده ومير حسين موسوي، وهما من أشد المعارضين للمرشد علي خامنئي، يمكن أن تخلق تحديًا كبيرًا للإصلاحيين، ومرشحهم، مسعود بزشكيان، وتخاطر بانهيار حملته الانتخابية قبل بدء المعركة.
ومن المرجح أن يكون تاج زاده وموسوي يتعرضان لضغوط من "الجبهة الإصلاحية"، التي تضم 31 حزبًا إصلاحيًا ونحو 15 شخصية إصلاحية بارزة، لدعم ترشيح مسعود بزشكيان، لكن لن يكون مثل هذا الدعم من موسوي وتاج زاده سهلاً، بالنظر إلى المواقف السابقة لهذين السياسيين.
يُذكر أن مير حسين موسوي هو قائد الحركة الخضراء، التي قادت الاحتجاجات عام 2009، على خلفية الانتخابات الرئاسية، واتهام النظام بتزوير النتائج، ويخضع، حاليًا، للإقامة الجبرية منذ أكثر من 13 عامًا، فيما يقبع مصطفى تاج زاده في السجن؛ بسبب دعمه للاحتجاجات الشعبية عام 2022، وكذلك انتقاداته للمرشد علي خامنئي.
ويعتبر تاج زاده رمزًا لفكر "الإصلاحات الهيكلية" في إيران اليوم، ويقضي حاليًا عقوبة الحبس لمدة خمس سنوات في سجن إيفين.
ويرى أن فكرة الإصلاحات التقليدية فاشلة، وقال إنه تجاوز هذا النوع من الإصلاحات، ولن يشارك في انتخابات غير حرة.
وقد حدّد تاج زاده الإصلاحات الهيكلية، بإيجاز في عدة أمثلة، ومنها جعل المرشد مسؤولاً ومُحاسَبًا أمام القانون، وتغيير تشكيلة مجلس الخبراء؛ بحيث لا يضم رجال الدين فقط، وإجراء انتخابات حرة حقيقية، وتعديل الدستور عبر الاستفتاء الشعبي.
وقد دعا مير حسين موسوي، الذي ظل رهن الإقامة الجبرية منذ أكثر من 13 عامًا، في رسالته الأخيرة، ضمنًا إلى تجاوز نظام الجمهورية الإسلامية، وتشكيل نظام سياسي جديد.
ودعا إلى إجراء استفتاء وتشكيل المجلس التأسيسي لإنقاذ إيران، وقال إنه خلافًا للماضي؛ حيث كان يدعو لتطبيق الدستور دون تنازلات، فإنه لم يعد يعتبر هذا الأمر فعالًا، بل المطلوب الآن هو صياغة دستور جديد.
ويخضع مير حسين موسوي رهن الإقامة الجبرية بقرار من المرشد، علي خامنئي، الذي يصر على إبقائه في هذه الحالة، رغم المطالبات الشعبية وانتقادات الإصلاحيين وأنصارهم لهذا الوضع.
أما تاج زاده فهو مسجون؛ بسبب انتقاداته الصريحة لـ "خامنئي" ونهجه في الحكم.
وفي المقابل نجد أن مرشح الإصلاحيين، مسعود بزشكيان، عاد إلى المشهد السياسي، بعد أن كان قد رُفض من قِبل مجلس صيانة الدستور، ولم تتم تزكيته في الانتخابات السابقة، وأصبح اليوم يقول بشكل صريح إنه من الأتباع المخلصين لولاية الفقيه وسياسات المرشد، علي خامنئي، في حين أن تاج زاده ومير حسين موسوي وقفا بوجه خامنئي، واتهماه بالاستبداد.
وفي ضوء ذلك، فإن دعم تاج زاده لـ "بزشكيان" يعني تراجعه عن الإصلاحات الهيكلية وإحباط مؤيديه وتخييب ظنهم؛ لأن هؤلاء المؤيدين أصيبوا بخيبة أمل من الإصلاحيين التقليديين، وهم يأملون في التغيير عبر أصوات شخصيات مثل تاج زاده. كما أن دعم موسوي لـ "بزشكيان" سيكون بمثابة انحراف عن مطالبه السابقة بتشكيل المجلس التأسيسي، وسيؤدي إلى مصير مماثل لـ "تاج زاده" بالنسبة للرأي العام، إذا ما دعم بزشكيان.
ولذلك، من الصعب جدًا الحصول على دعم تاج زاده وموسوي لصالح بزشكيان وجبهة الإصلاحيين، ومع ذلك، يأمل كل من بزشكيان والتيار الإصلاحي أنه إذا لم يدعم موسوي وتاج زاده ترشيحه، فإنهما على الأقل سيلتزمان الصمت، وألا يقاطعا الانتخابات، ويعود سبب هذا القلق إلى النفوذ الكبير، الذي يتمتع به تاج زاده وموسوي بين لجنة الإصلاحيين وأنصار الحركة الخضراء.
والحقيقة هي أنه، إن لم نقل إن تاج زاده وحده يتمتع بنفوذ بين الشباب الإصلاحي يفوق جميع أحزاب جبهة الإصلاح الـ 31، فإن هذا النفوذ على الأقل خطير للغاية، وإذا قاطع الانتخابات الرئاسية مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية، التي أُجريت في الشتاء الماضي، فإن ذلك سيكون بمثابة ضربة كبيرة للحملة الانتخابية لـ "بزشكيان"، ويمكن أن يعزى تأثير مماثل إلى مقاطعة مير حسين موسوي المحتملة للانتخابات.
ويعلم تاج زاده وموسوي أن الصمت بشأن الانتخابات يمكن تفسيره أيضًا بأنه تغليب عنصر المصلحة الشخصية لهما مقابل التيار الإصلاحي وهذا يضر بمكانتهما السياسية والاجتماعية؛ ولذلك، فهما ليسا في وضع يسمح لهما بالتزام الصمت. وربما، عاجلاً أم آجلاً، سيتعين على هذين الاثنين أن يقررا موقفهما بشأن الانتخابات في الأيام المقبلة؛ حيث إن دعمهما يمكن أن يقوي الحملة الانتخابية لـ "بزشكيان"، لكن مقاطعة الانتخابات من قِبلهما يمكن أن تقتل هذه الحملة أيضًا.