تلوح مؤشرات بالأفق تظهر توجه النظام في إيران نحو تسليم مزيد من المناصب السيادية والحساسة إلى الحرس الثوري، بما فيها منصب رئيس الجمهورية.
فمن بين 6 مرشحين نجد مرشحين متصلين بشكل مباشر، ومرشحًا آخر بشكل غير مباشر، بالحرس الثوري ومراكز نفوذه، من بين هؤلاء محمد باقر قاليباف، أحد القادة الكبار في الحرس الثوري، وعلي رضا زاكاني، عمدة طهران؛ إذ كان يشغل هو الآخر منصبًا قياديًا أيضًا في الحرس الثوري، فيما يعد سعيد جليلي، المدعوم من "جبهة الصمود"، التي يترأسها صادق محصولي، القائد السابق لفيلق 6 التابع للحرس الثوري.
فهل تتعمد الجمهورية الإسلامية للمرة الأولى إلى تسليم منصب رئاسة الجمهورية إلى الحرس الثوري؟
هناك عدد كبير من المجالات يسيطر عليها الحرس الثوري، حتى هذه اللحظة، ولديه قدرات واسعة؛ حيث يسيطر على نسبة كبيرة من وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والصحف والسياسة الخارجية، لاسيما شقها المتعلق بالدور الإقليمي للنظام، ناهيك عن سيطرته على وكالات اقتصادية كبيرة ومجالات رياضية ذات شعبية، ومنها كرة القدم، ويسيطر أيضًا على مؤسسات ثقافية قوية، مثل السينما، وبالمحصلة فإنه يبسط نفوذه على أربعة مجالات رئيسة هي: الأسلحة والاستخبارات والمال والإعلام.
بالإضافة إلى ذلك يسيطر الحرس الثوري على مناصب أساسية ومهمة، مثل منصب رئاسة البرلمان؛ حيث يحتكر هذا المنصب لقادته منذ 16 عامًا، ويتولاه حاليًا محمد باقر قاليباف، فيما كان يشغله قبل ذلك علي لاريجاني، القيادي السابق في الحرس الثوري.
هذه التحركات تكشف عن نوايا النظام في تسليم المناصب السيادية المهمة إلى الحرس الثوري، وأنه بدأ الآن يسير إلى تسليم منصب رئاسة الجمهورية له أيضًا.
وهذا ليس غريبًا؛ حيث إن الحرس الثوري يسيطر حاليًا على معظم المناصب المهمة، مثل منصب أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي (القيادي في الحرس الثوري علي أكبر أحمديان)، ورئيس البرلمان (القيادي في الحرس الثوري محمد باقر قاليباف)، ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام (القيادي في الحرس الثوري محمد باقر ذوالقدر)، وعمدة طهران (القيادي في الحرس الثوري علي رضا زاكاني)، وأمين اللجنة السياسية والأمنية في مجلس تشخيص مصلحة النظام والمسؤول الحقيقي عن ملف إيران النووي (علي شمخاني) وهو أيضًا قيادي سابق في الحرس الثوري، وقائد الشرطة الإيرانية (أحمد رضا رادان)، وهو قيادي في الحرس الثوري، ورؤساء ثلاثة أجهزة استخباراتية، وهي منظمة استخبارات الحرس الثوري (القيادي في الحرس الثوري محمد كاظمي)، ووزارة الاستخبارات (إسماعيل خطيب)، ومنظمة استخبارات الشرطة (غلام رضا رضاييان)، ووزير الداخلية (أحمد وحيدي)، ورئيس الأمن الداخلي (مجيد مير أحمدي)، وقائد مقر ثار الله كأهم مقر أمني والمسؤول عن أمن العاصمة القيادي في الحرس الثوري (حسين نجات)، وقائد حراس المرشد (حسن مشروعي فر)، ووزير الحرب، الذي يعتبر عمليًا وزير الخارجية أيضًا (إسماعيل قاآني) قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وهكذا نلاحظ أن جميع قيادات هذه المناصب الحساسة والخطيرة يستحوذ عليها الحرس الثوري وقياداته، كما أن قيادات الحرس الثوري يشغلون في الوقت نفسه مناصب عدة، مثل منصب رئاسة هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، الذي يترأسه محمد باقري، ورئيس مقر خاتم الأنبياء، وهو أهم مقر حربي في البلاد بيد القيادي بالحرس الثوري، غلام علي رشيد، ومسؤول القدرات الصاروخية والطائرات المُسيّرة، أمير علي حاجي زاده.
كما تظهر الانتخابات الثلاثة الأخيرة، التي شهدتها إيران، حركة النظام إلى هذا الاتجاه؛ حيث يحاول عسكرة السلطة، وحصر المناصب السيادية والحساسة بيد قيادات الحرس الثوري، ومن الصعب في ظل هذه التحركات والمحاولات أن نظن بغير هذا الرأي.
ومن الناحية الذهنية أيضًا نجد أن النظام جاهز لهذه الفكرة؛ إذ إن المرشد وقيادات النظام الرئيسة يعتقدون أن الإنجازات التي تحققت في إيران، كما يزعمون، تمت في المواقع والمجالات، التي ينشط فيها الحرس الثوري.
ويعتقد خامنئي والمؤسسات الحاكمة أن قوة إيران في المجالات العسكرية والطائرات المُسيّرة والميليشيات التابعة لإيران هي نتيجة لجهود الحرس الثوري وأعماله، وعلى هذا الأساس توصل النظام إلى أن تسليمه المناصب الحساسة للحرس الثوري كان قرارًا صائبًا، وعليه فإنه يجب توسيع دائرة التسليم هذه لتشمل مناصب جديدة، مثل منصب رئاسة الجمهورية.
وتوصل النظام، إلى أنه بالنظر إلى تجربة الاحتجاجات الشعبية والمناهضة للسلطة في الأعوام: 2009 و2017 و2019 و2022، إلى استنتاج مفاده أن المؤسسة التي أنقذت النظام من السقوط عبر قمعها للشعب هو الحرس الثوري، والآن بعدما أصبح هناك خطر تكرار هذه الاحتجاجات الشعبية الكبيرة، يجب الاعتماد على الحرس الثوري لبقاء النظام أكثر والحفاظ عليه.
وترسخ يقينًا لدى السلطة أن الجهة الأساسية، التي يمكن الاعتماد عليها في مسألة خلافة علي خامنئي، ومنع تحولها إلى أزمة كبرى، هو فقط الحرس الثوري، وعلى الرغم من أهمية المؤسسات الأخرى، مثل مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء والإذاعة والتلفزيون، فإن الحرس الثوري يظل هو العامل الرئيس لمنع وقوع أزمة كبيرة تواجه النظام بعد موت خامنئي.
ويبدو أن النظام يحاول تسليم المزيد من المناصب إلى الحرس الثوري، في مثل هذا الظرف، بالنظر إلى تجاربه السابقة، واتباع النماذج في الصين وروسيا وباكستان؛ حيث تعلَّم النظام من الصين فكرة التنمية القهرية، ومن باكستان فكرة القنبلة الذرية وتعاون العسكريين مع رجال الدين، ومن روسيا استمد فكرة مافيا المال والثروة في مجال النفط والغاز، وربط ذلك بالمسؤولين الأمنيين ودائرة الحكم.
وعلى الرغم من أن رئاسة أي من المرشحين الستة للانتخابات الرئاسية في إيران لن تشكل خطرًا على النظام، فإنه يبدو أن السلطة ترجح فوز شخصية مثل قاليباف لإدارة قضيتي الاحتجاجات وخلافة "خامنئي"، وكذلك فكرة مواجهة الولايات المتحدة الأميركية (واحتمالية فوز ترامب بانتخابات الرئاسة) والاتحاد الأوروبي والتعامل أكثر مع روسيا والصين والهند، التي تعتبرها إيران أساس النظام العالمي الجديد.
لكن يبقى التحدي الأكبر، الذي يواجه محاولات النظام لهندسة للانتخابات، هو وجود الشعب، الذي يظهر للمراقب أن النظام يتجاهل وجوده ويقلل من خطورته؛ فمعظم الشعب الإيراني يعتبر النظام فاقدًا للمشروعية، وفاشلًا من الناحية الاقتصادية ومتعارضًا مع أسلوب المواطنين في الحياة.
إن غياب إرادة النظام لمحاربة الفساد والضغوط والتحديات الدولية، بما في ذلك احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يمثل مشكلة أخرى في تنفيذ هذا المشروع، ولكن على الرغم من كل هذه التحديات، يبدو أن رغبة النظام تميل أكثر نحو رئاسة شخص مثل قاليباف، وجعل شخصية مثل مجتبى خامنئي (نجل المرشد) كقائد ثالث لإيران بعد (المرشد ورئيس الجمهورية)، شريطة النجاة من الاحتجاجات الشعبية الحكومية.