أشار محمود واعظي، رئيس مكتب الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، في مقابلة أجريت معه، إلى عدم رغبة المرشد علي خامنئي، في تعيين علي شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي في عام 2013. وقد نُشرت هذه المقابلة عشية فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في إيران.
وتحدث واعظي في هذه المقابلة، التي نشرت على موقع "انتخاب"، عن الخلاف العميق بين روحاني وعلي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي آنذاك، بشأن إحياء الاتفاق النووي.
وبحسب قول واعظي، فبينما كان حسن روحاني يحاول إحياء الاتفاق النووي في إدارته الثانية، لم تكن أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي، برئاسة علي شمخاني، متوافقة مع استراتيجية روحاني هذه، بل وعرقلت إحياء الاتفاق النووي.
وقال إنه لو كانت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي مع روحاني، لكان من الممكن إحياء الاتفاق النووي في الحكومة الثانية عشرة.
ويكشف هذا الخلاف بين روحاني كرئيس للمجلس الأعلى للأمن القومي وشمخاني كأمين لهذا المجلس، عن عمق الخلافات في أعلى مؤسسة لصنع القرار وتنسيق السياسات الأمنية والخارجية للنظام الإيراني.
خلافات سابقة بالمجلس الأعلى للأمن القومي
وهذا هو المثال الثالث والخلاف الأعمق في المجلس الأعلى للأمن القومي الذي ينكشف خلال 35 عاما من عمر هذه المؤسسة.
الخلاف الأول أصبح علنيا في عام 2005، عندما تم انتخاب محمود أحمدي نجاد للرئاسة، وكان هناك خلاف مع حسن روحاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي آنذاك، حول كيفية إدارة القضية النووية.
وقال روحاني في كلمة له، إن محمود أحمدي نجاد طلب منه حينها الاتصال بمحمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك، وإبلاغه بأن إيران مستعدة لدفع كافة نفقات الوكالة للتأثير على قراراتها.
وأكد روحاني أنه أبلغ أحمدي نجاد أن أمراً كهذا غير ممكن، وأنه لا يستطيع الاستمرار في العمل كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي في مثل هذه الظروف، ومن الأفضل أن يعين أحمدي نجاد شخصاً آخر مكانه.
الخلاف الواضح الثاني بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي ورئيس الجمهورية حدث مرة أخرى خلال رئاسة أحمدي نجاد.
ولم يستقل علي لاريجاني، الذي تم تعيينه في منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي بدلاً من روحاني، من هذا المنصب إلا بعد عامين من العمل فيه (2005-2007)، بسبب خلاف عميق مع أحمدي نجاد، وتم استبداله بسعيد جليلي، الذي كان متفقاً مع أحمدي نجاد.
وكانت نتيجة تعاون هذين الشخصين (جليلي ونجاد) موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على 6 قرارات بفرض عقوبات ضد إيران.
وبعد بدء رئاسة حسن روحاني عام 2013، كان يُعتقد أن اقتراح علي شمخاني لمنصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، رافقه قبول المرشد علي خامنئي، لأن شمخاني خدم قبل ذلك 6 أعوام بأمر مباشر من خامنئي، وفي الفترة من 1989 إلى 1997، كقائد مشترك للقوات البحرية للجيش والحرس الثوري الإيراني.
وكان شمخاني أيضًا وزيرًا للدفاع في حكومة خاتمي لمدة 8 سنوات بين عامي 1997 و2005. ولم يكن مثل هذا الأمر ممكنا من دون موافقة خامنئي.
رفض المرشد تعيين شمخاني وتمسك روحاني
لكن الآن كشف محمود واعظي- للمرة الأولى- في مقابلته أن خامنئي لم يرحب باقتراح روحاني تعيين شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي.
ويقول واعظي إن خامنئي لم يوافق على شمخاني مرة أو مرتين، وقال لروحاني إنه من الأفضل اختيار شخص آخر لهذا المنصب.
كان علي شمخاني، إلى جانب أشخاص مثل محسن رضائي وغلام علي رشيد، عضواً في المجموعة الخوزستانية للحرس الثوري الإيراني، التي حكمت الحرس الثوري الإيراني في الثمانينيات والنصف الأول من التسعينيات.
ومن المعروف أنه خلال الحرب الإيرانية العراقية، لم تكن علاقة خامنئي جيدة مع قادة الحرس الثوري الإيراني، الذين كان معظمهم أعضاء في فريق خوزستان، وكان أقرب إلى الجيش.
وفي عام 1985، عندما حاول علي خامنئي إقالة مير حسين موسوي من رئاسة الوزراء، كان محسن رضائي، قائد الحرس الثوري الإيراني، هو الذي كتب رسالة إلى روح الله الخميني، المرشد الإيراني في ذلك الوقت، قائلاً إن هذه القضية تضعف معنويات المقاتلين في الحرب، ومنع إقالة موسوي.
ولم ينس خامنئي أبدًا موقف قادة الحرس الثوري الإيراني ضده. على الرغم من أنه بعد بداية قيادة خامنئي عام 1989، أصبح هو والحرس الثوري الإيراني قريبين من بعضهما بعضا، وقرأ علي شمخاني إعلان ولاء قادة الحرس الثوري الإيراني لخامنئي في نفس صيف عام 1989، ولكن بعد استقالة محسن رضائي من قيادة الحرس الثوري الإيراني عام 1997، لم يمنح خامنئي أبداً منصب قيادة الحرس لأعضاء آخرين في فريق خوزستان، وهم علي شمخاني وغلام علي رشيد، بينما كان هذان القائدان الكبيران يخدمان في الحرس.
وتكرر هذا النهج في عام 2016 عندما تم انتخاب رئيس جديد لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة بدلاً من حسن فيروز آبادي.
وفي حين كان غلام علي رشيد نائبا لرئيس الأركان العامة لمدة 17 عاما من عام 1999 إلى عام 2016 وكان من المتوقع أن يتم انتخابه لهذا المنصب، إلا أن الرئاسة أعطيت لشخص من خارج الفريق الخوزستاني للحرس الثوري الإيراني، وهو اللواء محمد باقري.
الاختلاف بين روحاني وشمخاني
ورغم أن رفض خامنئي تعيين شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي حسم بإصرار روحاني، إلا أن محمود واعظي كشف سراً آخرا.
فقد أكد واعظي أن روحاني، خلال إدارته الثانية، اختلف مع شمخاني بشأن إحياء الاتفاق النووي، وبينما كان روحاني يحاول إحياء الاتفاق، كان شمخاني في الواقع يعرقله.
وأضاف واعظي أنه لهذا السبب حاول روحاني عدة مرات إقالة شمخاني، لكن ذلك كان يتطلب موافقة المرشد والرئيس، ولم يوافق خامنئي على إقالة شمخاني.
وليس هناك شك في أن كبار قادة الحرس الثوري الإيراني كانوا ضد الاتفاق النووي، ومنذ اليوم الأول للتوقيع على الاتفاق في عام 2015، حاولوا تعطيل تنفيذه، وأطلقوا صواريخ تحمل كتابات بعنوان تدمير إسرائيل، وهو ما تناقلته الأخبار واعتبرته الدوائر السياسية معارضة للاتفاق النووي.
إن تصريحات واعظي لا تكشف فقط الخلافات بين روحاني وشمخاني، والاختلافات بين خامنئي وروحاني، ولكنها تكشف أيضًا عن قضية أكثر أهمية، وهي الخلافات الواسعة والاستراتيجية في المجلس الأعلى للأمن القومي باعتباره أعلى هيئة لصنع القرار، وتنسيق الشؤون السياسية والدفاعية والأمنية للنظام الإيراني.
وتظهر هذه الخلافات، إلى جانب الخلافات القوية بين روحاني وقادة الحرس الثوري الإيراني بشأن طريقة الإعلان عن إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية، مدى عمق الخلافات في المجلس الأعلى للأمن القومي.
إن المجلس الأعلى للأمن القومي، ومجلس الأمن القومي، باعتباره فرعاً منه، هما المؤسستان المسؤولتان عن تحديد مستوى القمع في الاحتجاجات الشعبية.
الكشف عن الأسرار والترشح للرئاسة
والسؤال هو: هل كبار المسؤولين في النظام الإيراني الذين أظهروا أنهم متحدون عندما يتعلق الأمر بقمع الاحتجاجات مثل احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 و2022، هل هم متحدون حقًا، أم أن اختلافاتهم حول كيفية التعامل مع مطالب المحتجين ظلت مخفية؟
والسؤال الآخر هو: هل لهذه المقابلة التي أجراها محمود واعظي، والتي نشرت قبيل تسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسية، علاقة باحتمال ترشح علي شمخاني في هذه الانتخابات؟ وهل ينوي خصوم شمخاني التلميح إلى أنه غير مقبول لدى المرشد؟